علاوة على المواربة والمُخاتلة التي طغت على تصريحات مسؤولي البيت الأبيض فور اعتلائهم مناصبهم، والتي حملت تهديدات مُبطّنة، شكّلت مواقف الدول الأوروبية على مدى الأسابيع الأخيرة الماضية مصدر قلق خطير لا يمكن التغاضي عنه.
على سبيل المثال لا الحصر، قدّم كل من -جوزيف بوريل- الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون طرحين متضاربين تماماً فيما يخصّ خطة العمل المشتركة أو بما يُعرف بـ الإتفاق النووي.
فمن جانب، سلّطت التصريحات الضوء على مسألة بذل الجهود المشتركة لتشجيع إيران وامريكا على العودة للاتفاق النووي، ومن جانب آخر، تم التأكيد على ضرورة إشراك الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية من قبيل "السعودية" كما اقترح ماكرون، في رسم ملامح خريطة جديدة للاتفاق مع ايران.
وفي ضوء هذه الإزدواجية الدولية والتخبّط تجاه الاتفاق النووي، تبرُز بضعة نقاط هامة:
أولاً، مزاعم حثّ إيران على العودة هي والولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي ومخاتلة وخداع إعلامي لا أكثر، إذ لم تنسحب إيران من الاتفاق مطلقاً حتى الآن، بل اتخذت تدابير قانونية تمثّلت بخفض إلتزاماتها وفقا للمادتين 26 و 36 المنصوص عليهما في الاتفاق ذاته، وجاءت ردّاً على عدم وفاء الأطراف الأخرى بتعهداتها.
ثانياً، تسعى الترويكا الأوروبية إلى لعب دور الوسيط بين إيران وأمريكا، لاسيما أنها تعدّ نفسها جزءا مهما من الاتفاق النووي، إلاّ أنها لم تكن أفضل من واشنطن التي انتهكت الاتفاق بشكل أحادي، إنما فشلت بشكل جليّ في الوفاء بالتزاماتها، بل ومارست المماطلة تجاه الاتفاق، وبهذا الادعاء لا يمكنها إخفاء دورها الهدّام في فشل هذه الاتفاقية الدولية، بل كمدعى عليه يجب أن تحاسب على عدم وفائها بتعهداتها.
ثالثا؛ انسحبت امريكا رسمياً من الاتفاق النووي، بصفتها أحد الموقعين عليه، وفي حال رغبت أوروبا بتفعيل الاتفاق، ما عليها سوى الضغط على الولايات المتحدة للوفاء بالتزاماتها ودفع تعويضات لإيران. قد يكون عدم الامتثال للعقوبات الامريكية علامة على جدية أوروبا في تصريحاتها وإظهار صدقها من خلال التنفيذ.
رابعاً، أوروبا تدّعي الحياد بينما يُعدّ إصرارها على تهويل خفض التزامات إيران النووية، واقتراحها إدراج القضايا الإقليمية والصاروخية في الاتفاق النووي، وإعلانها المساهمة في تشديد العقوبات على إيران لتحقيق هذه الأهداف، إضافة الى محاولة إضافة لاعبين جدد، خير دليل على حياد أوروبا المزعوم تجاه الاتفاق النووي، لأن الاتفاق لديه إطار عمل واضح، وأعضاء محدّدين.
على هذا الأساس، يمكن القول إن الادعاءات الأخيرة لأوروبا، التي تجلّى فيها نهج إسقاطي ودعائي موارب بدون اتخاذ أي خطوات عملية، وبدلاً من حلّ التعقيدات التي نجمت عن عدم التنفيذ السليم لبرنامج الاتفاق مع ايران، لا تأتي إلاّ في إطار تجنّب ضريبة الانتهاكات والمماطلة التي مارسوها، وطبعا لجلب رضا الكيان الصهيوني وسيرك الدول العربية.
أوروبا بلا شك شريكة في جريمة امريكا بانتهاك الاتفاق النووي، وخيانة الأمانة المستمرة لها دليل آخر على ضرورة عدم ثقة إيران بها، وضرورة أن تواصل طهران سياستها المتمثلة في تعليق التزاماتها تجاه الاتفاق.
نورنيوز