معرف الأخبار : 250107
تاريخ الإفراج : 10/10/2025 3:33:24 PM
سلام بين طوفانين؛ من ساحة المعركة إلى الميدان السياسي

سلام بين طوفانين؛ من ساحة المعركة إلى الميدان السياسي

لا يُمثّل وقف إطلاق النار الأخير بين حماس والكيان الصهيوني نهاية الحرب، بل بداية مرحلة جديدة من التنافس على تحديد مستقبل غزة. والسؤال الرئيسي هو: هل سيكون الاتفاق الحالي مُقدّمةً لسلام دائم، أم أنه مجرد استراحة تكتيكية في معركة طويلة بين المقاومة والاحتلال؟

نور نيوز -  سُجّل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في الذاكرة السياسية للشرق الأوسط كيومٍ مصيري؛ اليوم الذي انطلقت فيه طوفان الأقصى من قطاع غزة المحاصر، وزلزلت أركان الأمن الصهيوني.

ورغم أن هذه العملية تكبّدت خسائر فادحة على الجانبين عسكريًا، إلا أن معناها تجاوز ساحة المعركة. فلأول مرة منذ عقود، تمكّن الفلسطينيون من حسم معركةٍ كان يُفترض خسارتها مُسبقًا، بعمليةٍ مُنسّقةٍ وواسعة النطاق.

بهذا المعنى، لم تكن طوفان الأقصى مجرد هجوم عسكري، بل كانت إعلانًا عن وجود جديد لـ"حق الحياة".

دُمّرت غزة في العامين التاليين؛ آلاف الشهداء، وبنية تحتية مدمرة، وملايين اللاجئين. من ناحية أخرى، تدهورت صورة إسرائيل في العالم، التي استغرق بناؤها أكثر من سبعين عامًا، بشكل خطير: نظام أراد إظهار قوته، كشف في النهاية عن عجزه عن السيطرة على قطاع صغير.

الآن، تغيرت المعادلة في الرأي العام العالمي؛ عادت القضية الفلسطينية إلى "الضمير السياسي للإنسانية"، وهذا جزء من النصر الروحي لعاصفة الأقصى.

الاتفاق الذي وصفه دونالد ترامب صباح الجمعة بأنه "نهاية حرب غزة" ليس مجرد نهاية، بل هو بداية فصل جديد من الدبلوماسية الغامضة. وفقًا للإعلان الأولي، يتضمن الاتفاق وقفًا للأعمال العدائية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتبادلًا للأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية؛ إلا أنه لم يُذكر قضيتان حساستان: نزع سلاح المقاومة والهيكل السياسي المستقبلي لغزة.

ولهذا السبب، يُطلق عليه المحللون اسم "المرحلة الأولى من خطة ترامب"، وهي خطة لا تزال مرحلتاها الثانية والثالثة غير واضحتين.

يبدو أن الولايات المتحدة وبعض الحكومات الغربية تحاول استخدام "رافعة إعادة الإعمار" لتشكيل مستقبل غزة السياسي، ما يعني أن الدعم المالي والتقني لإعادة الإعمار سيكون مشروطًا بقبول بعض الإصلاحات السياسية في هيكل الحكم في غزة.

من ناحية أخرى، تعتبر حماس هذا الوقف لإطلاق النار "وقفة استراتيجية"، وتحاول استخدامه لاستعادة قوتها، وإعادة بناء تنظيمها، وترسيخ شرعيتها السياسية.

بمعنى آخر، لم تعد المعركة تدور في ساحة المعركة، بل في ساحة السياسة والشرعية، حيث يمكن لأي تنازل أن يُحدد مستقبل المقاومة أو استمرار الاحتلال. أفق ما بعد السلام: نظام غير مستقر واختبار للشرعية

على الرغم من توقف الحرب، إلا أن السلام لم يتحقق بعد. السؤال الرئيسي هو من سيحكم غزة بعد الدمار الشامل وتدمير البنية التحتية الحيوية؟ هل ستعود السلطة الفلسطينية بدعم أمريكي، أم ستبقى حماس المحور الرئيسي لحكم غزة؟

يتحدث بعض المحللين عن سعي الولايات المتحدة وإسرائيل لإنشاء هيكل متعدد الأوجه يُضعف حماس دون القضاء عليها؛ وهو نموذج يُشبه "إدارة أمنية مشتركة" لا سلام ولا حرب.

من ناحية أخرى، تُعدّ الوحدة الفلسطينية الداخلية - التي تُشدد عليها حماس والجهاد الإسلامي وفتح والفصائل المستقلة - مفتاح نجاح أي اتفاق. فبدون إجماع وطني، سينهار أي اتفاق خارجي بسرعة.

في هذه الأثناء، تواجه إسرائيل أزمة داخلية، وانقسامًا داخل الائتلاف الحاكم، وضغطًا شعبيًا. قد يرفض نتنياهو، الذي يسعى إلى بقاءه السياسي في هذه الأزمة، التنفيذ الكامل للاتفاق أو يلجأ إلى استفزازات جديدة لتنصيب نفسه "قائدًا أمنيًا".

على الصعيد الدولي، تواجه واشنطن تحديًا مزدوجًا: من جهة، عليها إثبات إنجازها الدبلوماسي في عام انتخابي، ومن جهة أخرى، لا يمكنها تجاهل الضغط العالمي الناجم عن الكارثة الإنسانية في غزة. وقد جعلت هذه الازدواجية مسار تنفيذ الاتفاق غامضًا وهشًا.


سيناريوهات مستقبلية؛ ثلاثة مسارات محتملة لغزة

يتأرجح مستقبل غزة حاليًا بين ثلاثة سيناريوهات:

أ) تعزيز المقاومة:

في هذا السيناريو، ستصبح حماس، مع احتفاظها ببنيتها العسكرية والسياسية، جزءًا من حكومة غزة أو مجلسها الحاكم. يعني هذا المسار قبول المقاومة كشكل من أشكال الحكم، وقد يؤدي إلى نوع من "توازن الردع" بين غزة وتل أبيب.

ب) الاحتواء التدريجي:

تُنفذ الاتفاقات تدريجيًا، ولا يؤدي أي منها إلى سلام نهائي. في هذه الحالة، ستصبح غزة منطقة شبه مستقلة بوجود المؤسسات الدولية والإشراف الأمني ​​الإسرائيلي. هذا النموذج يجلب الاستقرار ظاهريًا، لكنه في الواقع يُديم الاحتلال بشكل جديد.

ج) إعادة إعمار مُتحكَّم بها:

في هذا النموذج، تُنفَّذ إعادة إعمار غزة من قِبَل دول غربية وعربية بهدف هندسة المجتمع الفلسطيني سياسيًا. وستكون المساعدات المالية وسيلة ضغط لدفع البنية السياسية في غزة نحو بناء الدولة الذي يسعى إليه الغرب. يُمثِّل هذا السيناريو الوضع الأخطر على هوية المقاومة.

مع ذلك، في جميع المسارات الثلاثة، لا تتغير الحقيقة: فبدون وحدة فلسطينية، وبدون مشاركة شعبية في صنع القرار، وبدون إعادة تعريف الشرعية الوطنية، لن يكون أي اتفاق مستدامًا.


نورنيوز
الكلمات الدالة
الاتفاقمعرکةمستقبل غزة
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك