معرف الأخبار : 237451
تاريخ الإفراج : 7/30/2025 3:29:41 PM
القيادة الاستراتيجية؛ المحرك المستقبلي للحوكمة بعد الحرب

القيادة الاستراتيجية؛ المحرك المستقبلي للحوكمة بعد الحرب

لا تُمثّل فترة ما بعد الحرب بالنسبة لإيران نهاية الأزمة، بل بداية تنافس على مستوى أكثر تعقيدًا من الأمن والحوكمة والاستراتيجية. يجب على هيكل صنع القرار في البلاد، في ظلّ عملية إعادة هندسة وهيكلة مدروسة، أن يضع التصميم المستقبلي على جدول الأعمال، بما يُمكّن من استغلال الفرص المُحتملة في مسار بناء القوة وتعزيز الموقع الاستراتيجي للبلاد.

نورنيوز : في ظلّ مواجهة عسكرية شاملة خاضتها إيران مع الكيان الصهيوني، وبمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة، يواجه هيكل صنع القرار في البلاد وآليات صنع القرار فيها ظروفًا جديدة تمامًا.

ليست فترة ما بعد الحرب فترة سلام، بل مرحلة مُعقّدة لإعادة هندسة القوة وظيفيًا. في ظلّ تحوّل جذريّ يشهده التنافس الجيوسياسي في المنطقة، وظهور بعض التحديات الداخلية التي جعلت آثارها على نظام الحكم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، فإنّ أيّ تأخير في إعادة ترتيب منظومة صنع القرار في البلاد، والدخول سريعًا في مرحلة اتخاذ القرارات بما يتماشى مع تطورات ما بعد الحرب، قد يُؤدّي إلى تراجع القوة الاستراتيجية للنظام على المستويين الإقليمي والدولي.

في مرحلة ما بعد الحرب، تُوشك جمهورية إيران الإسلامية على دخول مرحلة لم تعد تُحدّد فقط بالنصر العسكري أو صد تهديد مباشر. تُمثّل هذه المرحلة نقطة تحوّل لإعادة تعريف أسس القوة، وإعادة بناء أدوات صنع القرار، وتحسين أداء نظام الحكم. إنّ تجاوز المواجهة المباشرة مع النظام الصهيونيّ والدعم شبه العلني من الولايات المتحدة ليس سوى جزء من لغز جديد، مصحوب بتغيّرات جوهرية في المعادلات الإقليمية والعالمية، ويُجبر إيران على مواجهة ضرورات جديدة في الساحة الاستراتيجية.

أول متطلبات هذه الفترة هو الانتقال الواعي والمنهجي من صنع القرار التكتيكي إلى التخطيط الاستراتيجي. إذا كان التركيز في فترة الردع منصبًّا على إدارة التهديدات والسلبية المدروسة، فقد حان الوقت اليوم لإعادة تعريف الأمن ليس كحالة دفاعية، بل كعملية فاعلة ومتعددة الطبقات. في الواقع، ينبغي أن يحل مفهوم "الأمن التكويني" محل "الأمن التفاعلي"؛ بحيث تُنظَّم عملية صنع السياسات الدفاعية والأمنية والاقتصادية والثقافية في إطار سيناريوهات مستقبلية، لا مجرد التركيز على التهديدات.

وبناءً على ذلك، ينبغي النظر إلى التصميم المسبق والفاعل للأمن على أساس بناء نظام جديد، أمن يتشكل من التنمية والشرعية والتماسك الاجتماعي وإصلاح هياكل السلطة، وليس مجرد رد فعل على التهديدات. هذا النوع من الأمن، لأنه يتشكل من خلال إرساء نظام مستدام، لم يعد تفاعليًا وسلبيًا بطبيعته، بل أصبح ديناميكيًا ومبتكرًا تمامًا.

في هذا السياق، تم ضغط عنصر الوقت بشكل غير مسبوق. لم تعد إيران تواجه صراعات تقليدية طويلة الأمد، بل هي في خضم عمليات متزامنة وسريعة تستهدف تآزر المجالات العسكرية والنفسية والإعلامية والدبلوماسية. هذا يعني أن نماذج صنع القرار القائمة على بيروقراطية هادئة وتسلسلات هرمية ثابتة قد فقدت فعاليتها. يجب تحويل هيكل صنع القرار الحالي إلى نظام مرن، قائم على البيانات، وتنبؤي؛ نظام قادر على تحديد وتصنيف وإدارة التهديدات والفرص المتعددة في آن واحد.

تتطلب إعادة هيكلة صنع القرار في هذه المرحلة مأسسة جديدة وتكاملاً قيادياً. يُعد اقتراح إنشاء "مركز قيادة استراتيجي" بصلاحيات خاصة استجابةً للاحتياجات المعقدة التي يجب أن توجد بين القطاعات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية. يستطيع هذا المركز، مثل رادار كبير، رصد التغيرات البيئية وتصميم استجابات منسقة وسريعة. في هذا الصدد، ستكون إزالة المؤسسات الموازية، وتحسين الشفافية، وتقليل الاحتكاكات بين المنظمات، مكونات متكاملة لإعادة هندسة هذه المؤسسات.

لكن كل هيكل يتطلب إرادة وفلسفة لاتخاذ القرار. الآن ليس الوقت المناسب للاعتماد بشكل مطلق على سياسات الطوارئ. ينبغي أن تكون هذه السياسات مجرد جسر نحو الاستقرار، لا بديلاً عن الحوكمة القائمة على البرامج. إن استمرار الوضع الراهن يوقعنا في فخ "التردد الهيكلي"؛ وهو وضع لا يُحافظ فيه على الردع ولا يُتاح فيه اتخاذ إجراء فعال. في مثل هذه الظروف، تُضيع الفرص ويقع النظام السياسي في فخ الرجعية المتآكلة.

ومن النقاط المحورية الأخرى إعادة تعريف الشرعية في النظام العالمي. لم تعد معركة اليوم بين الجيوش فحسب، بل في عقول وقلوب الأمم. يجب إعادة تعريف العلاقة بين الأمن والتنمية، وبين القيم والكفاءة، وبين القوة الناعمة والصلبة. ولا يقتصر هذا التعريف على التخلي عن المبادئ فحسب، بل يُعززها بأدوات جديدة.

على سبيل المثال، يجب تعريف استعادة رأس المال الاجتماعي واستعادة ثقة الجمهور كمحركين للأمن القومي جنبًا إلى جنب مع القوة العسكرية.

في هذا المنعطف التاريخي، تُعاد كتابة لعبة القوة في المنطقة والعالم. لم تعد قواعد الأمس فعّالة، ومن يتكيف مع الظروف الجديدة أولًا يُمكنه أن يصبح مصمم اللعبة، لا مجرد لاعب. الآن، الخيار يقع على عاتق نظام صنع القرار في إيران: إما إعادة البناء بوعي بهدف استباق النظام المستقبلي، أو الوقوع في دوامة مدمرة من التسويف والموازنة والتقاعس.

في مثل هذه الظروف، قد يُؤدي أي تأخير في صنع القرار إلى ضياع عقد من الفرص. فترة ما بعد الحرب، خلافًا لاسمها، ليست فترة سلام؛ إنها ساحة معركة بين الاستراتيجيات والتصورات وبناء المستقبل.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك