حتى ان البعض من المحسوبين على هذه الشعوب كان يترحم على فترة الاستعمار، الامر الذي مكّن هذا الغرب من خداع الشعوب، لفترة طويلة، بشعاراته الرنانة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الشعوب وسيادة القانون.
اللافت ان الغرب وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، و بعد انحسار الاستعمار، تحول الى المدافع الشرس على "القيم الانسانية" بل زاد عليها دفاعه حتى عن "حقوق الحيوان"، في محاولة فاضحة للتغطية على تاريخ الاستعمار الاسود والفظائع التي ارتكبها بحق الشعوب التي نهب ثرواتها وزرع فيها التخلف والفتن والمجاعات.
واللافت ايضا ان هذا الغرب وباسم الدفاع عن حقوق الانسان، تدخل عسكريا في العديد من الدول العالم التي حكمتها انظمة كانت تسعى للتخلص من مخلفات الاستعمار، وتعمل على بناء دولها والحفاظ على سيادتها، لكن الغرب اسقط العديد من هذه الانظمة، بل وحتى احتل دولا، وكأنه الوصي على العالم، بعد ان اعتبر حضارته، اخر ما توصل اليه العقل البشري.
رغم كل ما فعله الغرب، كما راينا ذلك في افغانستان والعراق وليبيا، وقبل ذلك في فيتنام واسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، بل وحتى اوروبا كما في يوغسلافيا السابقة، بقيت الحضارة الغربية في هالة من الضبابية بسبب عدم وضوح الرؤية التي كان يفرضها الغرب متقصدا للابقاء على هالة من "القدسية" على حضارته، ولكن ما جرى خلال العامين الماضيين في غزة من اهوال وفظائع وابادة جماعية، كان اكبر بكثير من قدرة الغرب وعلى راسه امريكا، على الابقاء على هالة ضبابية على حضارته، كما في السابق، وذلك بفضل ثورة المعلومات والاتصالات، وبفضل المنابر الاعلامية الحرة، لذلك تكشفت حقيقة الغرب عارية ولاول مرة امام العالم اجمع، وحتى امام اولئك الذي كانوا يسبحون ليل نهار بحمد هذه الحضارة من ابناء جلدتنا، وهي حقيقة لا يمكن وصفها الا بالسقوط الحر لهذه الحضارة، التي لطالما لبست لبوس الانسانية، فاذا بها حضارة متوحشة تفتك بكل شيء لاشباع جشعها وطمعها.
في القرن الحادي والعشرين، وامام مرآى ومسمع العالم اجمع، يتعرض مليونين ونصف مليون انسان وعلى مدى عامين لابادة جماعية في غاية الوحشية، ولم يكتف الصهاينة بقتلهم وتهجيرهم، بل قاموا بتجويعهم وتعطيشهم، من بعد ان هدموا بيوتهم ومستشفياتهم وكل سقف يستظلون به، وقتلوا منهم نحو 60 الفا نصفهم من الاطفال والنصف الاخر من النساء والشيوخ، وقطعوا اطراف وشوهوا اجساد نحو 200 الف منهم، ومازال اكثر من 10 الاف شهيد اجسادهم تحت الانقاض منذ اكثر من عامين لا يسمح لهم باخراجهم من تحتها، كل ذلك يجري في العلن وتنقله الفضائيات بشكل مباشر على مدار الساعة، ولم يحرك ذلك ضمير "رموز" الحضارة الغربية، الذي لم يكتف بالصمت، بل امد الوحش الصهيوني بكل وسائل الفتك، ولم يكتف بذلك، فقد شل جميع المحافل الدولية ومنها الامم المتحدة ومجلس الامن والمحكمة الجنائية الدولية ومنظمات حقوق الانسان، لكي يواصل هذا الوحش جرائمه دون منغصات، في حال تجرأ اصحاب الضمائر الحية في هذه الحضارة من طلبة الجامعات، على الاعتراض والاحتجاج على اداء حكوماتهم، عندها سيتعرضون للطرد من الجامعات، ومن وظائفهم، بل يفرض الحصار الاقتصادي على الجامعات التي لا تستخدم القسوة ضد احتجاجات الطلبة!!.
هذا الوجه القبيح للغرب، يواجهه وجها لا يقل قبحا، وهو وجه "العرب"، ولا نقصد هنا العرب الشرفاء الذين كانوا ومازالوا يقفون الى جانب مظلومية الشعب الفلسطيني مهما كانت الظروف، بل نقصد كل انسان عربي، راى ما يجري من فظائع ضد اخوته في الدين والقومية في غزة، دون ان يرتد له طرف، ونقصد ببعض الانظمة العربية التي لم تكتف بعدم مد العون الى المنكوبين بالابادة الجماعية في غزة، بل ساعدت الصهاينة، عبر مدهم بالوقود والطعام والغذاء، من خلال جسور برية وبحرية، بهدف ان يكملوا مهمتهم القذرة في ابادة اهل غزة دون منغصات.
اليوم نعذر كل انسان لم يعد يؤمن بحضارة اسمها الحضارة الغربية، ونعذره عندما لم يعد يثق بكل شعارات هذا الغرب المزيفة كحقوق الانسان والديمقراطية والحرية والسلام و..، كما نعذره عندما يشكك بالاخوة العربية والقومية العربية، وهو يرى ابناء هذه القومية، يتفرجون دون مبالاة على مذبحة غزة، وكانهم يتابعون فيلم رعب طويل وهم يرتشفون قهوتهم، فامام غزة سقطت كل الاعذار. ولكن "لو خليت قلبت" ولا عزاء للانسان، غربي كان ام عربي، الا بوجود الاحرار في العالم، وبوجود فتية امنوا بربهم، في اليمن ولبنان والعراق و..، فكانوا مصداقا للاية الكريمة "ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قد جَمَعُواْ لَكُم فَٱخشوهُم فَزَادَهم إِيمَٰنا وَقَالُواْ حسبُنَا ٱللَّهُ وَنعم الوكيل".
نورنيوز