بعد سقوط حكومة بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر وتسليم السلطة للمعارضة، دخلت سورية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات، يمكن اعتبارها من أهم المراحل وأكثرها تعقيداً بعد بداية الحرب. الأزمة الداخلية التي تعيشها البلاد. والآن، وبحسب ما أعلنته وسائل الإعلام الإقليمية، فإن عملية تشكيل الكابينة الحكومية الجديدة أصبحت على جدول الأعمال، مع التخطيط لعقد "المؤتمر الوطني السوري" يومي 4 و5 كانون الثاني/يناير في دمشق؛ لتكون قد دخلت البلاد مرحلة ربما ستكون من أصعب المراحل في تاريخ هذا البلد من حيث توزيع السلطة وإدارة المصالح.
*التحديات السياسية
ستواجه عملية تقاسم السلطة في سوريا تحديات خطيرة للغاية بسبب تنوع المجموعات السياسية والعرقية والدينية ومشاركة دول إقليمية وخارج إقليمية. وفي المؤتمر الوطني القادم، بالإضافة إلى تحديد كيفية البدء في صياغة الدستور الجديد، سيتم أيضًا تحديد إطار الحكومة الانتقالية وبالطبع كيفية تقسيم السلطة بين المجموعات المختلفة. إن وجود ممثلين واسعين من مختلف أطياف المجتمع السوري، بما في ذلك الشباب والمنظمات المدنية وممثلي الجماعات الدينية، يظهر الجهد المبذول لجعل هذه العملية شاملة، لكن تضارب المصالح المتأصل بين الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية يمكن أن يضع هذا المسار أمام عقبات خطيرة.
ومن ناحية أخرى، فإن إعلان حل الجماعات المسلحة بما فيها هيئة تحرير الشام، رغم أنه يعتبر إجراءً مهماً لخفض التوترات، إلا أن تنفيذه يبدو صعباً بسبب وجود الأسلحة المتناثرة والدور البارز للفصائل المسلحة في هيكل السلطة.
*هشاشة الأمن وإدارة الأزمات
بعد سقوط نظام الأسد، تحسن الوضع الأمني في سوريا نسبياً على الرغم من التهديدات العديدة. وساد الهدوء النسبي في المناطق التي شهدت في السابق أعمال شغب واسعة النطاق، لكن الاحتجاجات المتفرقة في المناطق ذات الأغلبية العلوية تظهر أن الأمن لا يزال هشا، إن إدارة التنوع الديني والعرقي، إلى جانب إزالة المخاوف الأمنية، هي إحدى أولويات الهيئة الحاكمة السورية الجديدة.
وعلى الرغم من أن دور الدول الإقليمية والأجنبية في دعم الحكام الجدد لعب دورا رئيسيًا في السيطرة على الوضع، إلا أن هذا الدعم يمكن أن يصبح عاملاً في زيادة الضغوط السياسية الخارجية للحصول على حصة في المستقبل وتكثيف التحدي المتمثل في بناء النظام في المنطقة. سوريا.
*الاقتصاد وإعادة الإعمار
إن الاقتصاد السوري المتهالك هو نتيجة سنوات من الحرب والعقوبات، وهو أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية. وقد خلقت إجراءات مثل زيادة قيمة الليرة السورية وتخفيض الرسوم الجمركية وإعادة بناء شبكة الكهرباء آمالاً بتحسن الوضع، لكن هذه الإجراءات ستتطلب استمرار الدعم الخارجي المستقر وظروف سياسية وأمنية مناسبة في الداخل، واستعادة الاستقرار، لهذا السبب التوقعات ليست واضحة ومطمئنة.
إن إلغاء نظام تقنين السلع الأساسية وزيادة رواتب الموظفين هو إشارة للتوجه نحو الإصلاحات الاقتصادية، لكن تثبيت هذه الإصلاحات ومواصلتها في وضع لم يتشكل فيه الهيكل السياسي بعد وتعتمد معظم الإجراءات على المساعدات الخارجية، وهو ما يجعل هذا المسار أكثر وعورةً.
*الدبلوماسية والشرعية الدولية
تحاول الهيئة الحاكمة الجديدة، بقيادة أحمد الشرع (الجولاني)، اكتساب الشرعية المحلية والدولية من خلال تغيير التوجهات السياسية والاجتماعية. ومن الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الاتجاه الابتعاد عن السياسات الدينية والثورية وإلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية واعتماد اللهجة الدبلوماسية.
لكن العديد من الدول الغربية والإقليمية لا تزال مترددة في الاعتراف بالحكومة الجديدة بسبب سوابق هيئة تحرير الشام. ويجري بلورة السياسة الخارجية للحكام الجدد، مع التركيز على تخفيف التوترات مع الاحتلال الاسرائيلي وكسب دعم الدول العربية والغربية، ولكن في طور التنظيم ودخول الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية المهتمة في هذا المجال أو التغييرات المحتملة وفي الظروف الأمنية والاجتماعية في سوريا يمكن أن يعرض هذه العملية للخطر.
*مستقبل غامض ولكنه حيوي
إن سوريا تمر بمرحلة حاسمة، ونجاحها أو فشلها يمكن أن يكون له آثار عميقة على المنطقة بأكملها. إن بدء العمليات السياسية لتشكيل هيكلية حكومية جديدة رغم التحديات الأمنية والاقتصادية والدولية، سيكشف عن العديد من المعادلات غير المكتشفة التي شكلت الأوضاع الجديدة في سوريا. ولذلك فإن الأوضاع المقبلة ستكون بمثابة اختبار لقياس قدرة الحكام الجدد على إدارة الأزمات والحفاظ على التماسك الداخلي.
المؤتمر الوطني السوري هو نقطة البداية لتحديد الاتجاه المستقبلي لهذا البلد. وسواء كانت هذه العملية قادرة على أن تؤدي إلى نتيجة مستدامة وشاملة، أو أنها ستخلق توترات وأزمات جديدة، فهي مسألة لن يجيب عليها إلا الزمن.
نورنيوز/وكالات