نورنیوز

NourNews.ir

شناسه خبر : 261989 چهارشنبه 19 آذر 1404 16:18

77 عاما.. حلم حقوق الإنسان غير المُبهم

يوم حقوق الإنسان العالمي تذكير بأن العالم لا يزال يعيش مع حلم غير مكتمل: حلم تمتّع جميع البشر بالكرامنة والأمان. من باريس 1948 إلى غزة اليوم، لم يكتمل طريق تحقيق هذا الحلم فحسب، بل تراجع في كثير من المناطق. يجب على المجتمع الدولي أن يدخل مرحلة «الإصلاح»: إعادة النظر في الإعلان، ووضع أدوات وقواعد جديدة وملزمة تتناسب مع واقع اليوم.

نور نيوز –  قبل سبعة وسبعين عاما، في ١٠ ديسمبر ١٩٤٨، جمع العالم المدمَّر من الحرب العالمية الثانية ممثلين عن الدول في باريس ليتفقون على نص واحد: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إعلان كان من المفترض أن يكون «نهاية معاناة الإنسان» و«بداية عصر الكرامة». قرأته إليانور روزفلت، ووقّعت عليه ٤٦ دولة. لأول مرة في التاريخ، اتفق البشر على أن «كون الإنسان إنسانًا» هو بحد ذاته مصدر الحقوق؛ بلا قيد أو شرط، بلا حدود أو جنسية. سُمّي هذا اليوم لاحقًا، بمقترح من اليونسكو، «اليوم العالمي لحقوق الإنسان». لكن التاريخ اللاحق أثبت أن بين «نشر فكرة» و«تحقيقها» مسافة تعادل كل تجربة البشرية.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو ثمرة قرون من تأمل الفلاسفة ومعاناة البشر. نص من ٣٠ مادة كان من المفترض أن يصبح عمود الفقرات الأخلاقي للعالم؛ نص استندت إليه دول كثيرة عند استقلالها وأدرجته في دساتيرها. لكن الأوراق الموقَّعة لم تتحول أبدًا إلى درع يحمي أرواح البشر. لا توجد فترة واحدة خلال هذه الـ٧٧ سنة يستطيع فيها الضمير العالمي أن يقول إن العالم التزم ولو بـ«روح» هذا الإعلان.
أبرز مثال على هذه الفجوة اليوم هو مأساة غزة: حرب خلَّفت – بسبب جرائم إسرائيل – أكثر من ٧٠ ألف قتيل، غالبيتهم مدنيون ونساء وأطفال، ومئات الآلاف من الجرحى والمعوقين، وملايين فقدوا بيوتهم وذاقوا مرارة التشرد. هذه الحرب المروعة تجري أمام عيني المنظمة التي أنجبت الإعلان نفسه.

لكن غزة ليست إلا مثالاً قريباً. يكفي أن نراجع مبادئ الإعلان:

المادة الخامسة تحظر التعذيب، لكن منظمات دولية تصدر تقارير سنوية تؤكد أن عشرات الدول لا تزال تمارسه.
المادة ٢٥ تذكّر بحق التمتع بمستوى معيشي كافٍ، بينما يموت آلاف يوميًا جوعًا.
المادة ٢٦ تتحدث عن حق التعليم، بينما يعيش أكثر من مليار إنسان أميّين.
المادة ٢٢ تعترف بالضمان الاجتماعي، بينما يعيش مليار ونصف المليار في فقر مدقع.

هذه الأرقام ليست بسبب ضعف الأفكار، بل بسبب عجز العالم عن تطبيقها. الإعلان كان «مُلهِمًا» دائمًا، لكنه لم يكن «ملزمًا» يومًا.

الحقيقة أن إعلان ١٩٤٨ ابن عصره؛ عصر ما بعد الحرب، حيث كان التهديد الأساسي هو الحروب الكلاسيكية والكوارث الحكومية الكبرى. أما عالم اليوم فيواجه ساحات جديدة: حروب بالوكالة، عقوبات أحادية، حصارات طويلة الأمد، قطع الإنترنت والوصول الحر، هجرات قسرية، قمع رقمي، استخدام التكنولوجيا للسيطرة على المجتمعات، وتغيّر المناخ الذي يهدد حق الحياة نفسه. هذه التحديات لا تقل خطورة عن الحروب الكلاسيكية، بل غالبًا ما تكون انتهاكاتها لحقوق الإنسان أضعافًا مضاعفة.

الحاجة إلى إعادة نظر في الإعلان وآلياته

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يعد كافيًا أمام هذا العالم الجديد. إذا استطاع العالم في ١٩٤٨، بعد كارثة الحرب العالمية الثانية، أن يكتب إعلانًا عالميًا، فمن المنطقي اليوم – بعد عقود من الانتهاكات المنهجية الواسعة في كل أنحاء العالم – أن يدخل المجتمع الدولي رسميًا عملية إعادة نظر: إضافة حقوق تتناسب مع العالم الجديد، وأهم من ذلك إيجاد آليات ملزمة فعليًا.

لا شك أن فكرة حقوق الإنسان لا تزال حية؛ ما أصبح عاجزًا هو «أدوات التنفيذ». الآليات الحالية في الأمم المتحدة سياسية أكثر من اللازم، بطيئة، وخاضعة للقوى العظمى. الخطر هو ما قاله الفلاسفة منذ قرون: حيثما توجد سلطة توجد إمكانية إساءة استخدامها، وإذا لم يكن هناك لجام للسلطة فإن حقوق الإنسان هي أول ضحية.

مؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان (١٩٩٣) كان خطوة مهمة؛ نقطة أعلن فيها العالم أن حقوق الإنسان «عالمية» وأن انتهاكها لم يعد «شأنًا داخليًا». لكن هذه الخطوة لم تكفِ. لم نستطع تحويل هذا الإجماع التاريخي إلى آلية تنفيذية حقيقية. حان الوقت أن تقدم الأمم المتحدة «تقريرًا وطنيًا – عالميًا» عن ٧٧ سنة من حقوق الإنسان، وأن تمتلك شجاعة مواجهة التاريخ. الإعلان لم يُكتب ليُوضع في الأدراج؛ إنه نص يحتاج إلى متابعة ومراجعة وتقرير دوري.
اليوم، في يوم حقوق الإنسان العالمي، أهم خطوة يمكن اقتراحها هي: أن تصدر الأمم المتحدة تقريرًا شاملاً عن مسار الالتزام والانتهاك والتقدم والتأخر في حقوق الإنسان خلال الـ٧٧ سنة الماضية؛ تقرير يواجه الدول بالبيانات والتاريخ والحقائق. مثل هذا التقرير يمكن أن يكون خريطة طريق لمراجعة الإعلان وتقوية آليات التنفيذ.

فقط بالنظر إلى الماضي يستطيع العالم أن يبني مستقبلاً أفضل. الدفاع عن الإنسان هو الدفاع عن المستقبل. يوم حقوق الإنسان العالمي يذكّرنا بأن العالم لا يزال يعيش مع حلم غير مكتمل: حلم تمتّع كل البشر بالكرامة والأمان. من باريس ١٩٤٨ إلى غزة اليوم، لم يكتمل هذا الطريق فحسب، بل تراجع في مناطق كثيرة.

حان الوقت أن ينتقل المجتمع الدولي من تكرار الشعارات إلى مرحلة «الإصلاح»: مراجعة الإعلان، وإنشاء أدوات ملزمة، وصياغة قواعد تتناسب مع حقائق القرن الحادي والعشرين. حقوق الإنسان، إذا أريد لها أن تبقى حية، يجب أن تُراجَع وتُعاَد بناؤها. وهذا إعادة البناء ربما يكون أكبر واجب يتحمله جيلنا تجاه الإنسانية.

کلیه حقوق این سایت برای نورنیوز محفوظ است. نقل مطالب با ذکر منبع بلامانع است.
Copyright © 2024 www.NourNews.ir, All rights reserved.