نورنيوز - الإجراء الأخير لأمريكا وحلفائها بحذف اسم أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) وأنس خطاب من قائمة عقوبات مجلس الأمن، يُعدّ مؤشراً على الجهد الغربي المنسق لإعادة تعريف دور سوريا في النظام الذي تريده واشنطن. وفي الوقت نفسه، تبعت فرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي هذا الإجراء لتوجيه رسالة واضحة إلى المنطقة: عودة الجولاني إلى المشهد السياسي بدعم غربي كامل. هذا السلوك يأتي بالتزامن مع تأكيد أمريكا على «انتقال سياسي شامل في سوريا» مما يكشف تناقضاً صارخاً. كيف يمكن لدولة كانت تعتبر الجولاني حتى الأمس إرهابياً مطلوباً، أن ترحب به اليوم كشريك سياسي؟ الجواب يكمن في الاستراتيجية الأمريكية القديمة؛ الاستخدام الأداتي للإرهاب لكبح قوى المنطقة المستقلة، خاصة إيران ومحور المقاومة.
أوروبا وأمريكا اللتين تدّعيان الديمقراطية وحقوق الإنسان، تصمتان الآن أمام التقارير المروعة عن اختطاف وإخفاء وقتل المدنيين في سوريا. أعلن مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن نحو 100 شخص قد اختفوا في سوريا منذ بداية العام الميلادي الحالي. ومع ذلك، ترفع واشنطن العقوبات بحجة التزام حكومة الجولاني بـ«مكافحة الإرهاب والمخدرات».
هذا النهج يذكّر بنفس السياسة المزدوجة التي طُبّقت لسنوات تجاه اليمن والعراق وفلسطين. ينظر الغرب إلى مفاهيم مثل حقوق الإنسان والديمقراطية ليس كقيم، بل كأدوات ضغط ومساومة سياسية. في هذا الإطار، إذا استطاع الجولاني السير في مسار صفقة إبراهام والتسوية مع الصهاينة، فستُغفر له كل جرائمه السابقة.
*نرجسية ترامب وإعادة ترتيب النظام الأمريكي
لا يمكن تحليل سلوك واشنطن الأخير دون فهم طموحات ترامب الشخصية والتيار السياسي الحاكم عليه. ترامب الذي يسعى بعد سلسلة من الهزائم في إخضاع روسيا وإيران، وفشله في ملف غزة، إلى إحياء صورته الدولية، يقدم الآن مشروع الجولاني كنموذج لـ«الإنجاز الدبلوماسي».
انضمام كازاخستان إلى صفقة إبراهام، واحتمال إعلان لقاء رسمي بين الجولاني وترامب في البيت الأبيض، يمثل جهداً دعائياً لإحياء «مسار التسوية»؛ مسار لا يهدف إلى السلام، بل إلى تطبيع وجود الكيان الصهيوني في المنطقة. وفي الوقت نفسه، إعادة نشر القوات الأمريكية في الأراضي السورية لحماية مصالح تل أبيب، يظهر أن واشنطن تسعى لتثبيت جغرافيا نفوذها في غرب آسيا، حتى لو كان الثمن تدمير استقلال سوريا.
من دمشق إلى غزة: استمرار كذبة تاريخية
يتحدث الغربيون في مجلس الأمن عن «مستقبل سوريا السياسي» لكنهم في غزة لا يلتزمون حتى بوعودهم بوقف إطلاق النار. أولئك الذين وعدوا في شرم الشيخ بتقديم المساعدات، يصمتون اليوم أمام الجوع والإبادة الجماعية في غزة. هذه هي نفس الازدواجية التي تكررت من البوسنة إلى بغداد، ومن دمشق إلى غزة: تطهير الإرهابيين ومعاقبة ضحايا المقاومة.
تستند سياسة الغرب في الحقيقة إلى ركنين: شرعنة الإرهاب المرغوب وتجريم الدفاع المشروع. عندما يُطهَّر الجولاني الإرهابي وتُسمّى المقاومة الفلسطينية «تهديداً»، يتكشف المعنى الحقيقي للنظام الغربي؛ نظام في خدمة رأسمالية الحرب والصهيونية. هذا التناقض لا يكشف فقط عن سقوط وجه حقوق الإنسان الغربي، بل يضع الشرعية الأخلاقية للنظام الدولي بقيادة أمريكا تحت التحدي.